فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله عز وجل: {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا} يعني نساءنا، قال ابن عباس وقتادة والشعبي: أراد أجنة البحائر والنساء جميعًا وهو قوله تعالى: {وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء} ودخلت الهاء في خالصة للتأكيد والمبالغة، كقولهم رجل علاَّمة ونسَّابه.
وقال الفراء: دخلت الهاء لتأنيث الأنعام لأن ما في بطونها مثلها فأنث بتأنيثها.
وقال الكسائي: خالص وخاصة واحد مثل وعظ وموعظة وقيل: إذا كان اللفظ عبارة عن مؤنث جاز تأنيثه على المعنى وتذكيره على اللفظ كما في هذه الآية فإنه أنث خالصة على المعنى وذكر ومحرم على اللفظ {سيجزيهم وصفهم} يعني سيكافئهم وصفهم على الله الكذب {إنه حكيم عليم} فيه وعيد وتهديد يعني أنه تعالى حكيم فيما يفعله عليم بقدر استحقاقهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرّم على أزواجنا}
الذي في بطونها هو الأجنة قاله السدّي.
وقال الزمخشري: كانوا يقولون في أجنة البحائر والسوائب ما ولد منها حيًا فهو خالص لذكورنا ولا تأكل منه الإناث، وما ولد ميتًا اشترك فيه الذكور والإناث.
وقال ابن عباس وقتادة والشعبي: الذي في بطونها هو اللبن.
وقال الطبري: اللفظ يعم الأجنة واللبن؛ انتهى.
والظاهر الأجنة لأنها التي في البطن حقيقة، وأما اللبن: ففي الضرع لا في البطن إلا بمجاز بعيد.
وقرأ عبد الله وابن جبير وأبو العالية والضحاك وابن أبي عبلة: خالص بالرفع بغير تاء وهو خبر ما و{لذكورنا} متعلق به.
وقرأ ابن جبير فيما ذكر ابن جني خالصًا بالنصب بغير تاء، وانتصب على الحال من الضمير الذي تضمنته الصلة أو على الحال من ما على مذهب أبي الحسن في إجازته تقديم الحال على العامل فيها؛ انتهى ملخصًا.
ويعني بقوله: على الحال من {ما} أي من ضمير {ما} الذي تضمنه خبر {ما} وهو {لذكورنا} ويعني بقوله: في إجازته إلى آخره على العامل فيها إذا كان ظرفًا أو مجرورًا نحو زيد قائمًا في الدار، وخبر {ما} على هذه القراءة هو {لذكورنا}.
وقرأ ابن عباس والأعرج وقتادة وابن جبير أيضًا {خالصة} بالنصب وإعرابها كإعراب خالصًا بالنصب وخرّج ذلك الزمخشري على أنه مصدر مؤكد كالعافية.
وقرأ ابن عباس أيضًا وأبو رزين وعكرمة وابن يعمر وأبو حيوة والزهري {خالصة} على الإضافة وهو بدل من {ما} أو مبتدأ خبره {لذكورنا} والجملة خبر ما.
وقرأ الجمهور {خالصة} بالرفع وبالتاء وهل التاء للمبالغة كراوية أو حملًا على معنى ما لأنها أجنة والعام أو هو مصدر يبنى على فاعلة كالعافية والعافية أي ذو خلوص؟ أقوال: وكان قد سبق لنا أن شيخنا علم الدين العراقي رحمه الله ذكر أنه لم يوجد في القرآن حمل على المعنى أولًا ثم حمل على اللفظ بعده إلا في هذه الآية، ووعدنا أن نحرر ذلك في مكان وما ذكره قاله مكي، قال: الآية في قراءة الجماعة أتت على خلاف نظائرها في القرآن لأن كل ما يحمل على اللفظ مرة وعلى المعنى مرة إنما يبتدأ أولًا بالحمل على اللفظ، ثم يليه الحمل على معنى نحو {من آمن بالله} ثم قال: {فلهم أجرهم} هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب.
وهذه الآية تقدم فيها الحمل على المعنى فقال: {خالصة} ثم حمل على اللفظ فقال: و{محرم} ومثله كل ذلك كان سيئة في قراءة نافع ومن تابعه فأنث على معنى كل لأنها اسم لجمع ما تقدّم مما نهي عنه من الخطايا، ثم قال: {عند ربك مكروهًا} فذكر على لفظ كل، وكذلك {ما تركبون لتستووا على ظهوره} حملًا على ما، ووحد الهاء حملًا على لفظ ما.
وحكي عن العرب هذا الجراد قد ذهب فأراحنا من أنفسه جمع الأنفس ووحد الهاء وذكرها انتهى وفيه بعض تلخيص.
ومن ذهب إلى أن الهاء للمبالغة أو التي في المصدر كالعافية فلا يكون التأنيث حملًا على معنى ما، وعلى تسليم أنه حمل على المعنى فلا يتعين أن يكون بدأ أولًا بالحمل على المعنى ثم بالجمل على اللفظ لأن صلة ما متعلقة بفعل محذوف وذلك الفعل مسند إلى ضمير ما ولا يتعين أن يكون وقالوا: ما استقرت في بطون الأنعام، بل الظاهر أن يكون التقدير ما استقر فيكون حمل أولًا على التذكير ثم ثانيًا على التأنيث، وإذا احتمل هذا الوجه وهو الراجح لم يكن دليلًا على أنه بدأ بالحمل على التأنيث أولًا ثم بالحمل على اللفظ وقول مكي هكذا يأتي في القرآن وكلام العرب، أما القرآن فكذلك هو، وأما كلام العرب فجاء فيه الحمل على اللفظ أولًا ثم على المعنى وهو الأكثر وجاء الحمل على المعنى أولًا ثم على اللفظ، وأما قوله: ومثله كل ذلك كان سيئة فليس مثله، بل حمل أولًا على اللفظ في قوله: كان ألا ترى أنه أعاد الضمير مذكرًا ثم على المعنى فقال: سيئة وأما قوله: وكذلك ما تركبون فليس مثله، لأنه يحتمل أن يكون التقدير ما تركبونه فيكون قد حمل أولًا على اللفظ ثم على المعنى في قوله: ظهوره ثم على اللفظ في إفراد الضمير، وأما هذا الجراد قد ذهب فقد حمل أولًا على إفراد الضمير على اللفظ ثم جمع على المعنى ثم على اللفظ في إفراد الضمير، ومعنى لأزواجنا: لنسائنا أي معدّة أن تكون أزواجًا قاله مجاهد.
وقال ابن زيد: لبناتنا.
{وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء} كانوا إذا خرج الجنين ميتًا اشترك في أكله الرجال والنساء، وكذلك ما مات من الأنعام الموقوفة نفسها.
وقرأ أبو بكر: وإن تكن بتاء التأنيث {ميتة} بالنصب أي وإن تكن الأجنة التي تخرج ميتة.
وقرأ ابن كثير: وإن يكن {ميتة} بالتذكير وبالرفع على كان التامة وأجاز الأخفش أن تكون الناقصة وجعل الخبر محذوفًا التقدير وإن تكن في بطونها ميتة وفيه بعد.
وقال الزمخشري: وقرأ أهل مكة وإن تكن {ميتة} بالتأنيث والرفع؛ انتهى.
فإن عنى ابن كثير فهو وهم وإن عنى غيره من أهل مكة فيمكن أن يكون نقلًا صحيحًا وهذه القراءة التي عزاها الزمخشري لأهل مكة هي قراءة ابن عامر.
وقرأ باقي السبعة {وإن يكن} التذكير {ميتة} بالنصب على تقدير وإن يكن ما في بطونها ميتة.
قال أبو عمرو بن العلاء: ويقوي هذه القراءة قوله: {فهم فيه شركاء} ولم يقل فيها؛ انتهى.
وهذا ليس بجيد لأن الميتة لكل ميت ذكرًا كان أو أنثى فكأنه قيل: وإن يكن ميتًا {فهم فيه شركاء}.
وقرأ يزيد: {ميتة} بالتشديد.
وقرأ عبد الله: {فهم فيه} سواء.
{سيجزيهم وصفهم} أي جزاء {وصفهم} الكذب على الله في التحليل والتحريم من قوله: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام} {إنه حكيم عليم} أي {حكيم} في عذابهم {عليم} بأحوالهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالُواْ} حكايةٌ لفن آخَرَ من فنون كفرهم {مَا في بُطُونِ هذه الأنعام} يعنون به أجنة البحائرِ والسوائبِ {خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا} حلالٌ لهم خاصةً والتاء للنقل إلى الاسمية أو للمبالغة، أو لأن الخالصة مصدرٌ كالعافية وقع موقعَ الخالصِ مبالغةً أو بحذف المضافِ أي ذو خالصة، أو للتأنيث بناء على أن (ما) عبارةٌ عن الأجنة والتذكير في قوله تعالى: {وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا} أي جنس أزواجِنا وهن الإناثُ باعتبار اللفظ، وفيه كما ترى حملٌ للنظم الكريم على خلاف المعهودِ الذي هو الحملُ على اللفظ أولًا وعلى المعنى ثانيًا كما في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ} إلخ ونظائرِه، وإما العكسُ فقد قالوا إنه لا نظيرَ له في القرآن، وهذا الحكمُ منهم إن وُلد ذلك حيا وهو الظاهر المعتادُ {وَإِن يَكُن مَّيْتَةً} أي إن ولدت ميتة {فَهُمُ} أي الذكورُ والإناث {فِيهِ} أي فيما في بطون الأنعامِ، وقيل: المرادُ بالميتة ما يعُمّ الذكرَ والأنثى فغلب الأولُ على الثاني {شُرَكَاء} يأكلون منه جميعًا وقرئ خالصةً بالنصب على أنه مصدرٌ مؤكد، والخبرُ لذكورنا، أو حالٌ من الضمير الذي في الظرف لا من الذي في ذكورنا ولا من الذكور لأنه لا يتقدم على العامل المعنويِّ ولا على صاحبه المجرورِ وقرئ خالصُهُ بالرفع والإضافة إلى الضمير على أنه بدل من (ما) أو مبتدأٌ ثانٍ {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} أي جزاءَ وصفِهم الكذبَ على الله تعالى في أمر التحليلِ والتحريمِ من قوله تعالى: {وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب} {إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} تعليلٌ للوعيد بالجزاء، فإن الحكيمَ العليمَ بما صدر عنهم لا يكاد يترك جزاءَهم الذي هو من مقتضَيات الحكمة. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالُواْ} حكاية لفن آخر من فنون كفرهم.
{مَا في بُطُونِ هذه الأنعام} يعنون به أجنة البحائر والسوائب كما روي عن مجاهد والسدي وروى ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم يعنون به الألبان، وما مبتدأ خبره قوله سبحانه: {خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا} أي حلال لهم خاصة لا يشركهم فيه أحد من الإناث، والتاء للنقل إلى الإسمية أو للمبالغة كراوية الشعر أي كثير الرواية له أو لأن الخالصة مصدر كما قال الفراء كالعافية وقع موقع الخالص مبالغة أو بتقدير ذو وهذا مستفيض في كلام العرب تقول: فلان خالصتي أي ذو خلوصي، قال الشاعر:
كنت أميني وكنت خالصتي ** وليس كل امرئ بمؤتمن

نعم قيل: مجيء المصدر بوزن فاعل وفاعلة قليل، وقيل: إن التاء للتأنيث بناء على أن ما عبارة عن الأجنة.
والتذكير في قوله تعالى: {وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا} أي على جنس أزواجنا وهن الإناث باعتبار اللفظ، واستبعد ذلك بأن فيه رعاية المعنى أولًا واللفظ ثانيًا وهو خلاف المعهود في الكتاب الكريم من العكس، وادعى بعض أن له نظائر فيه، منها قوله تعالى: {كُلُّ ذلك كَانَ سَيّئُهُ عِنْدَ رَبّكَ مَكْرُوهًا} [الإسراء: 38] إذ أنث فيه ضمير كل أولًا مراعاة للمعنى ثم ذكر حملًا على اللفظ، وقيل: إن ما هنا جار على المعهود من رعاية اللفظ أولًا لأن صلة ما جار ومجرور تقدير متعلقه استقر لا استقرت ولا وجه لذلك لأن المتعلق والضمير المستتر فيه لا يعلم تذكيره وتأنيه حتى يكون مراعاة لأحد الجانبين، والذي يقتضيه الإنصاف أن الحمل على اللفظ بعد المعنى قليل وغيره أولى ما وجد إليه سبيل، وذكر بعضهم أن ارتكاب خلاف المعهود هاهنا لا يخلو عن لطف معنوي ولفظي، أما الأول فموافقة القول الفعل حيث إن المعهود من ذوي المروءة جبر قلوب الإناث لضعفهن.
ولذا يندب للرجل إذا أعطى شيئًا لولده أن يبدأ بإنثاهم، وأما الثاني فمراعاة ما يشبه الطباق بوجه بين خالصة وذكورنا وبين محرم وأزواجنا وهو كما ترى.
{وَإِن يَكُن مَّيْتَةً} عطف على ما يفهم من الكلام أي ذلك حلال للذكور محرم على الإناث إن ولد حيًا وإن ولدت ميتة {فَهُمُ} أي الذكور والإناث {فِيهِ} أي فيما في بطون الأنعام، وقيل: الضمير للميتة إلا أنه لما كان المراد بها ما يعم الذكر والأنثى غلب الذكر فذكر الضمير كما فعل ذلك فيما قبله {شُرَكَاء} يأكلون منه جميعًا، وهذا الذي ذكر في هذه الشرطية إنما يظهر على القول الأول في تفسير الموصول، وأما على القول الثاني فيه فلا.
ولعل الذي يقول به يقرأ الآية بإحدى الأوجه الآتية أو يتأول الضمير، وقرأ الأعرج وقتادة {خَالِصَةٌ} بالنصب وخرج ذلك على أنه مصدر مؤكد وخبر المبتدأ {لِّذُكُورِنَا}، وقال القطب الرازي: يجوز أن يكون حالًا من الضمير في الظرف الواقع صلة أي في حال خلوصه من البطون أي خروجه حيًا، والتزم جعلها حالًا مقدرة ولعله ليس باللازم، ومنع غير واحد جعله حالًا من الضمير فيما بعده أو من ذكورنا نفسه لأن الحال لا تتقدم على العامل المعنوي كالجار والمجرور واسم الإشارة وها التنبيه العاملة بما تضمنته من معنى الفعل ولا على صاحبها المجرور كما تقرر في محله، وقرأ ابن جبير {خَالِصًا} بدون تاء من النصب أيضًا؛ والكلام فيه نظير ما مر، وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش {خَالِصَةٌ} بالرفع والإضافة إلى الضمير على أنه بدل من ما أو مبتدأ ثان، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر {وإن تكن} بالتاء {ميتة} بالرفع، وابن كثير {يكن} بالياء وميتة بالرفع.
وأبو بكر عن عاصم {تكن} بالتاء كابن عامر {ميتة} بالنصب.